التفاصيل

طريق كيداهو - يوفينزا - تنزانيا

-

“إن تعبيد هذا الجزء من الطريق من شأنه أن يعزز خيارات النقل المتاحة في المناطق المجاورة، وأن يقلل وقت السفر وتكلفته، وبالإضافة إلى تنشيط الأعمال بين تنزانيا من جهة وكل من بوروندي وجمهورية الكونغو الديمقراطية من جهة ثانية، سيمكّن الطريق المزارعين في القرى التي يمر بها من نقل منتجاتهم إلى أسواق أفضل”.

تقع تنزانيا شرق القارة الأفريقية ويبلغ عدد سكانها 56 مليون نسمة. وهي تشتهر بمساحاتها البرية الواسعة التي تتنوع فيها البحيرات العميقة والجبال الشاهقة والمساحات الرحبة من الغابات والأدغال وسهول السافانا. ويتصل هذا التنوع الجغرافي عبر شبكة واسعة من الطرق المعقدة التي تمتدّ لأكثر من 86,500 كم وتربط تنزانيا مع البلدان الثمانية المحيطة بها. وتتمتع تنزانيا بالاستقرار السياسي والتعايش بعيداً عن الصراعات رغم التنوع العرقي فيها، حيث ينتمي مواطنوها لأكثر من مئة قبيلة لكنهم يعيشون ويعملون ويتعاملون مع بعضهم البعض بحريّة تامة. ويعود السام في المجتمع التنزاني إلى ترسيخ مفاهيم المواطنة والانتماء المشترك للجميع بصورة أثمرت عن هذا الاستقرار والانفتاح في قطاعي السياحة والتجارة. وبالرغم من توافر المقومات الضرورية، إلا أن عجلة التنمية الاقتصادية والاجتماعية تعاني في البلاد بسبب نقص الاستثمار في البنية التحتية. ويلعب القطاع الزراعي منذ قيام الدولة عام 1963 دوراً هاماً في نمو الاقتصاد التنزاني، حيث يساهم اليوم بنسبة 32 % من الناتج المحلي الإجمالي ويشكل 30 % من الصادرات، فضاً عن تأمين فرص عمل لأكثر من نصف القوى العاملة في البلاد. ومع ذلك، فإن المزارع وغيرها من الموارد الطبيعية عادةً ما تكون بعيدة عن ميناء دار السام الذي يقع على المحيط الهندي، وغيره من المراكز السكانية الكبرى، مما يجعل عملية نقل المنتجات والبضائع صعبةً للغاية - خصوصاً مع الحاجة إلى تحسين البنية التحتية للطرقات - وبالتالي لا يتم الاستفادة من طرق التجارة الدولية بشكلٍ كبير.

وتتم معظم عمليات النقل وشحن البضائع عبر الطرق البرية، لكن معظمها غير معبّد ولا يمكن الاعتماد عليه، بما في ذلك الطرق الرئيسية الترابية المزدحمة وغير المناسبة، مما قد يفضي لوقوع حوادث تمنع نقل البضائع أو الأفراد. إضافةً إلى ذلك، تصبح الكثير من الطرقات خلال موسم الأمطار بين شهري نوفمبر ومارس خارج الخدمة تماماً، ويتم عزل القرى عن المجمعات السكنية المجاورة، عدا عن صعوبة الوصول إلى خدمات التعليم والرعاية الطبية والتجارة العادية. كما تتراجع خلال هذه الفترة إنتاجية القطاع الريفي في البلاد بسبب البنية التحتية المتدهورة وغيرها من العوامل التي تعيق تنزانيا من الاستفادة من الطريق التجاري المركزي ومن مقوماتها الاقتصادية. وفي ضوء ذلك، تسعى تنزانيا لتحقيق طموحاتها في التحول لدولة شبه صناعية قادرة على مكافحة الجوع والحد من الفقر وتحقيق التنمية الاقتصادية المستدامة. وهي تعوّل بشكلٍ كبير على تطوير البنية التحتية القادرة على تعزيز النشاط الاقتصادي وتحسين ظروف المعيشة.

خصص صندوق أبوظبي للتنمية خلال عام 2011 ، 169 مليون درهم إماراتي ) 46 مليون دولار أميركي( لتمويل مشروع تحسين طريق كيداهو - يوفينزا في المناطق الريفية شمال غرب تنزانيا. ولعب المشروع دوراً مهماً في تطوير البنية التحتية للنقل في المنطقة، فضلاً عن تحقيق العديد من الفوائد التي سيحققها عند الانتهاء من تنفيذه، بما في ذلك دعم الاقتصاد المحلي وأنشطة التجارة الدولية والارتقاء بمعايير الحياة الريفية. وفي إطار سعيه لمساعدة البلدان النامية في التغلّب على التحديات، وتعزيز التنمية الاقتصادية المستدامة، والنهوض بمستويات معيشة السكان، يقوم الصندوق بتمويل عدة مشاريع في تنزانيا، تساهم جميعها في دفع عجلة التقدم الاقتصادي والاجتماعي والتنمية المستدامة. ومنذ إطلاق أنشطته في تنزانيا عام 1977 ، بلغ إجمالي تمويلات الصندوق هناك 233 مليون درهم إماراتي تم توزيعها على مشاريع في مختلف القطاعات الرئيسية، بما في ذلك مشروع المياه النظيفة في ريف مدينة زنجبار ومصنع سكر كاجيرا وتطوير مجموعة من الطرقات الأخرى. يدعم صندوق أبوظبي للتنمية المشاريع ذات الأولوية الوطنية لحكومات الدول النامية التي تواجه تحديات في مجال التنمية الاقتصادية. ويهدف إلى تعزيز التنمية المستدامة في تلك الدول من خلال التركيز على مشاريع النقل والبنية التحتية ذات التأثير الايجابي على تحقيق النمو الاقتصادي والاجتماعي في الدول المستفيدة. وعلى مدار أكثر من 48 عاماً من العمل التنموي، خصص الصندوق أكثر من 92 مليار درهم إماراتي لتمويل آلاف المشاريع في 90 دولةً حول العالم*. ويوفر مشروع تطوير طريق كيداهو - يوفينزا نموذجاً مميزاً للشراكة بين الحكومة التنزانية وصندوق أبوظبي للتنمية، وهو يساهم في تحقيق الهدف 17 من أهداف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة.

تقع كل من كيداهو ويوفينزا في إقليم كيجوما شمال غرب تنزانيا، على هضبة منحدرة من التال المتدرجة نحو بحيرة تنجانيقا، وتُعد البحيرة الأعمق في أفريقيا، فضلاً عن كونها مصدراً وافراً للثروة السمكية. ويعيش سكان المنطقة البالغ عددهم 2.1 مليون نسمة في البلدات والقرى المنتشرة عبر الغابات الكثيفة، ووديان الأنهار والأراضي الزراعية التي تنتشر فيها مناجم الملح. وتعد الزراعة المهنة الرئيسية لسكان هذه المنطقة، حيث يعمل 93 % منهم في الزراعة أو صيد الأسماك، و 30 % في التجارة ذات الصلة بهذه الأعمال، ولكن غالباً ما يواجه السكان المحليون بعض المعوقات التي تحد من وصولهم إلى الأسواق لتصريف منتجاتهم. وتشكل مدينة دار السام المركز التجاري للدولة، وهي السوق الرئيسية للمنتجات الزراعية القادمة من كيجوما. ومع ذلك، فإن الطريق من ميناء كيجوما إلى دار السام لم يكن صالحاً لمرور الشاحنات، مما تطلب استخدام طرق أخرى بديلة تضيف ما يصل إلى 300 كم إلى مسافة الرحلة التي تبلغ أصلاً 1,243 كم. وعلى نحو مشابه، يتم تصدير إنتاج مناجم الملح عالي الجودة في المنطقة إلى بوروندي ورواندا وجمهورية الكونغو الديموقراطية عبر طريق غير مباشر، مما يزيد من التكاليف ويقلل الأرباح.

وتماشياً مع الهدف التاسع من أهداف التنمية المستدامة، ستساهم أعمال تطوير الطريق بتحسين وصول المجتمعات الريفية ما بين كيداهو ويوفينزا إلى الخدمات والتجارة، كما ستكون بمثابة حجر أساس في مشروع إصلاح الطرق في إطار رؤية تنزانيا 2025 ، والذي يهدف إلى ربط مدن تنزانيا والدول المجاورة ببعضها. وفي عام 2009 ، كان الطريق بين كيداهو ويوفينزا طريقاً ترابياً لا يمكن استخدامه إلا إن كان جافاً، مما أدى إلى إهمال العديد من القرى في تلك الوديان. وعندما يكون عبور الطريق ممكناً، كان السفر يستغرق وقتاً طويلاً، مما جعل السكان يفتقرون إلى الخدمات الاجتماعية والصحية والتعليمية، فضلاً عن ارتفاع تكلفة السفر بين المدن. وعلى مدار 34 شهراً من العمل، تم إصاح وتعبيد الطريق الترابي البالغ طوله 76 كم من كيداهو إلى يوفينزا، وأصبح طريقاً أسفلتياً مع طبقة مزدوجة من البيتومين. وفي ذروة أعمال بناء الطريق، بلغ عدد العاملين في المشروع 450 عاملاً، وقد وفر المشروع عموماً أكثر من 900 فرصة عمل؛ بما فيها الموردين والبائعين الذين يزودن العمال في المناطق الريفية بالمواد المختلفة

الأثر العام للمشروع

بعد انتهاء المشروع في أكتوبر 2013 ، تم افتتاح الطريق رسمياً من قبل رئيس تنزانيا آنذاك جاكايا كيكويتي، وبحضور سفير دولة الإمارات في تنزانيا ووفد من صندوق أبوظبي للتنمية، إلى جانب عدد من كبار المسؤولين في الحكومة التنزانية. تم تأهيل طريق كيداهو - يوفينزا ليضم مساراً طرقياً واحداً في كل اتجاه، مع حدود سرعة تبلغ 60 كم/ ساعة في المناطق المأهولة و 100 كم/ ساعة في المناطق غير المأهولة. ويخدم الطريق ما لا يقل عن مليون شخص من أصل مليوني نسمة في إقليم كيجوما.
قلل الطريق المسافة بين كيجوما ودار السام بحوالي 300 كم، وبالتالي ساهم في تحسين استخدام الطريق التجاري المركزي، وتعزيز العلاقات التجارية مع مناطق شينيانغا وتابورا وكاتافي. كما تتضمن المزايا الأخرى تقليل وقت السفر، وتحسين جودة القيادة على الطريق، وخفض التكاليف التشغيلية للسيارات بسب انخفاض استهلاك الوقود. وارتفعت حركة مرور المركبات بواقع ثلاث أضعاف لتبلغ 382 مركبة يومياً، مسجلة زيادات كبيرة في حركة الشاحنات والسيارات الخاصة. كما تحسنت مستويات السامة على الطرق بشكل عام، لا سيما بعد تطبيق أنظمة مراقبة السرعة عبر كاميرات مراقبة المرور فور الانتهاء من المشروع.
من خلال تحسين الطرق وتقليل أوقات السفر والمسافات، يدعم مشروع تطوير طريق كيداهو - يوفينزا النشاط الاقتصادي في منطقة كيجوما بشكلٍ مباشر، بالإضافة إلى تحفيز حركة التصدير في ميناء كيجوما والمركز الساحلي لدار السام، والتي تساهم جميعها في خفض مستويات الفقر في أنحاء المنطقة والمساهمة في تحقيق الهدف الأول من أهداف التنمية المستدامة.

الأثر الاقتصادي

وتشير دراسات البنك الأفريقي إلى أن المهنة الرئيسية لسكان المنطقة هي الزارعة بنسبة 93.7 %، تليها التجارة في المرتبة الثانية بنسبة 30.4 %، بالإضافة إلى 1.3 % يعملون في الخياطة والصيد البحري ومجال الآلات ونجارة الخشب وغيرهم من أصحاب الحرف الصغيرة. وساهم رفع كفاءة الطرق الداخلية في تسهيل الوصول إلى السوق، حيث مكّن السكان من نقل منتجاتهم وبضائعهم إلى نقاط البيع مثل أسواق كيداهو ويوفينزا. كما استفاد الوسطاء التجاريين من تسهيل نقل البضائع وأصبحوا يوفرون وظائف أعلى أجراً للسكان المحليين. ويتم اليوم نقل صادرات المنطقة من الملح- والتي تبلغ 23 ألف طن سنوياً- إلى كل من بوروندي ورواندا وجمهورية الكونغو الديمقراطية بشكل مباشر إلى ميناء كيجوما، ما يسهم بخفض التكلفة ومدة النقل.

وانسجاماً مع رؤية تنزانيا التنموية 2025 ، تسعى الدولة إلى تعزيز مشاركة القطاع الخاص في الصناعة من أجل تحويل الاقتصاد الزراعي إلى اقتصاد شبه صناعي يتمتع بآفاق أوسع للتنمية. وتساهم تحسينات البنية التحتية لقطاع النقل في كيجوما بجعلها وجهة جذابة للمستثمرين المحليين والأجانب في مجال التصنيع الزراعي. وستنضم إلى الصناعات الحالية المتعلقة بالملح والأسماك استثمارات مُرتقبة في تصنيع زيت النخيل والفاكهة، ما سيدفع بعجلة النمو الاقتصادي في المنطقة.

الأثر الاجتماعي

يعتبر توفير طرق معبدة إلى القرى المجاورة في كافة الظروف الجوية من أبرز التأثيرات الاجتماعية الإيجابية للمشروع. إذ بات بإمكان السكان اليوم الوصول بسهولة إلى الخدمات الاجتماعية في منطقة كيجوما بما في ذلك مراكز الرعاية الصحية، والمدارس، وحتى دور العبادة. وقد ساهم تحسين طرق المواصات بين المجتمعات السكنية في تخفيض تكلفة وزمن الرحات، وتعزيز الروابط الاقتصادية والاجتماعية، وتحسين الأمن خاصةً في قرى الوديان النائية. كما ساهم تحسين الطريق بتسهيل رحلات حافلات الركاب وتقليل مسافتها، حيث أصبح زمن الرحلة بين كيجوما ويوفينزا ودار السام أقل. واستفاد السكان من تحسن المواصلات حيث ارتفع عدد حافلات الركاب من 3 فقط إلى 30 حافلة، فضلاً عن انخفاض أسعار التذاكر. ومن المتوقع أن يسفر هذا التحول من الطرق الترابية إلى الطرق المعبدة بالأسفلت عن تخفيض الإصابات بأمراض الجهاز التنفسي في هذه القرى.